الحياة ما بعد الموت
المنشور الأول لضحايا العنف الجنسي في الطفولة
اصحي حبيبتي من موتك. كفى، أنت لست وحدك بعد. أنفضي من ملابسك بقايا التراب وتسلقي خارج قبرك. خذي اليد الممدودة.
لا، لست بحاجة لتخبرينا كيف وصلت إلى هناك، نحن نراك من وراء الصمت. مثلك، قُتِلَت نُفوسُنا، وقفنا مرات لا نهائية على حافة الصخرة ونظرنا بشوق إلى الهدوء المُبْتَغى في الأسفل.
وأنتِ، التي تقفين اليوم قلقة، شفافة وتصمتين عند أرجُل السُلم، تفكرين مرة أخرى فيما أن تتنازلين وتهبطين للأسفل أو أن تتجرئين تتسلقين عودة من الهاوية إلى وجه الأرض، لك نتوجه بكلامنا، أردنا أن نخبرك من كبر سننا ما نرى من هنا.
المنظر بديع جداً من طرف السلم العلوي، السماء صافية، الهواء نقي، الهدوء يحضننا والكل مسموح. صحيح، تسلق السلم سبب الكثير من الجروح الدامية في كفي القدمين، لم يساعدنا أحدٌ في التسلق، لم يفرُش لنا أحد شبكة أمان ولم يعدنا أنه سوف يكون هناك من أجلنا عندما نقع. بل بالعكس عندما نجحنا في التسلق وتشبثت أظافرنا على طرف جحيم الهاوية، كان هناك من دفعنا بطرف حذاءه عودة إلى جحيم الهاوية، إلى أسفل السلم، حتى لا نكون، كي نختفي. كي لا نحكي، كي لا نتحدث، كي لا نتلف النهاية السعيدة قي فلمهم.
كان التسلق من الهاوية صعباً، متعباً ومرهقاً، عدة مرات توقفنا في طريق الصعود واحترنا لماذا نجهد أنفسنا؟ لماذا لا نمحو كُلَ شيء ونبدأ من جديد؟ قد قتلت نفوسنا، فلماذا لا نجرب دورة أخرى، أليس من الأفضل أن نصل إلى إعادة التصنيع من جديد على أن نكون بضاعة في سوق الزيادات كبضاعة مضروبة؟
قبل سنوات كثيرة، عندما نهضنا من الموت، نحن وليدات سنوات السبعين، لم يكن هناك ضحايا بالغات ليخبرننا ما يمكن رؤيته هناك، من أعلى السلم. هل جدير أن نحاول الصعود أصلا؟ نحن هنا اليوم لنخبرك أن الطريق للشفاء ليست سهله بالمرة ولكنها جديرة. يوجد بها خلق أنفسنا من جديد، يوجد بها راحة، واكتفاء. يوجد بها حتى حُب، بيت حقيقي جديد وأمن، مليء بضحك أطفال سعداء. أطفالك.
اليوم، نحن هنا لنشير لك عن درجة غير قوية في السلم، على الحفر في الطريق، الفخاخ وحفر الثعابين المخفية.
كل رحلة حياتك، تتساءلين، ماذا يحصل لي؟ ما هذا "الشيء" الذي كُسٍر بي؟ هكذا، توجد الحاسة السابعة الذي لم تكتب عنه الأبحاث. هذه الحاسة التي أُخِذَت منك فيك شبابك. كل مخلوق وُلِد مع جهاز داخلي غريزي لصراع البقاء وليستمر بالحياة. هذه هي حاسة الحياة، هذه الحساسة لم تعد متواجدة لدينا.
هذه الحاسة تجعلنا نحذر من خطر الموت، هذا الحاسة التي تجعلنا نحفظ أنفسنا من الإصابة، المرض أو الموت. عندما تعدوا علينا عندما كنا صغيرات- قتلوا لنا حاستنا السابعة.
وهكذا نعيش بقية حياتنا بدون حاسة الحياة، نقضي وقتنا من قوة الإرادة، بغير مبالاة بالأخطار، مع فتور بالأحاسيس والمشاعر. الحياة والموت من جهتنا متشابهان. نفهم الأشياء بشكل مختلف، الحياة مخيفة، الموت هو الذي يؤمن لنا الهدوء والراحة النفسية.
مع كل ذلك أردنا أن نخبرك عن "إصلاحنا للعالم" المساعدة التي تستطيعين الحصول عليها وأنك تستحقين أن تأخذين وتعطين. إن تسمحي لنا، نستطيع مساعدتك وبذلك نساعد الطفلة الوحيدة التي تُرِكناها بعيداً بداخلنا.
نحن، الطفلات اللاتي كُن ضحية للاعتداء الجنسي في الطفولة، اللاتي مررنا في علاج نفسي وتعزيز النسائي عشرات السنين، تعلمنا وبحثنا في إصابتنا، جمعنا الكثير من المعلومات في الطريق ونحن هنا اليوم كي نكشفهن لك، كي يكون لك أسهل مما كان لنا.
تعلمنا كل شيء يبدأ في نوعية العلاج الذي تُعْطِيه لنفسك. ستقابلين عشرات المعالجين "يهزون رؤوسهم"، علماء نفسيين، عاملين اجتماعيين، أطباء نفسيين ومرشدي الذين ليست لهم أية فكرة عن الصدمة النفسية من الاعتداءات الجنسية، وليسوا مؤهلين لمعالجة مصابات مثلنا، لكنهم لن يقولوا هذا أبداً. أنتِ تُثيرين اهتمامهم، إنهم يميلون لعلم الأمراض النابع من القصة المؤلمة التي أحضرتها لغرفتهم، وهم يتعلمون عليك فترة تأهيلهم ولا يهمهم أنه ليس لديك الوقت لتعليمهم، وأنك بأمّس الحاجة لمن ينقذك فوراً.
المعالجين "الذين يهزون رؤوسهم" يجلسون أمامك على الكرسي مدة سنوات، يهزون رؤوسهم بتفهم مدة 45 دقيقة، يأخذون لك أموالك القليلة ولا يساعدوك بشيء. وأنتِ؟ تبقين مرتبكة وعارية على فاتحة عيادة أخرى. حتى تصلي لأذرع المعالِجَة، الصحيحة. هذه التي تعلمت المجال الخاص لعلاج ضحايا الصدمة النفسية في الطفولة، هذه التي تعرف "هذا"- حينها فقط ستبدئين مرة أخرى بالتنفس، بالحياة، بالحُب وحتى بالضحك. نعم، بالضحك. تعلمنا أنه عندما يكون للوحش اسم، فجأة يتوقف عن إخافتنا.
للوحش حدود ويكمن إدخاله للجرار وقفله بعد ذلك. أحياناً، يمكننا حتى أن نحرر هذا الوحش لبعض الوقت حتى يأكل ويتنفس الهواء النقي. عندما يكون هادئاً ومريحاً لنا يمكننا التحدث إليه وإعادته بعدها إلى الجرار. هذا ما يخلقه لنا العلاج. يعلمنا تدريب الوحش وان نكسب منه أشياء جيدة.
فكر إضافي توصلنا إليه، أن صعوباتنا الوظيفية في الحاضر لا تشرِع التساهل الذي لا يطاق في وصمة الأمراض النفسية التي يُسرِعون بوصمنا بها كرقم على ساعدنا. نعم، قد نجينا من الانفجار لكننا لسنا مذنبات أنه حدث. العاقين هم المسئولون عن ذلك، فهم من يجب أن يوصم.
لقد تعلمنا أن كل رقم يعِد الطب طبعه على ذراعك فسرعان ما يصبح وصمة عار واضحة على جبينك. مشخصيك هم أيضاً من يشنقك. تعريفاتهم السطحية ليست موضوعية وغير صحيحة وتنبع فقط من جهل طبي بدائي من العصور الوسطى وسلطة الرجل، المصرة أن تشخص "تصرف" كإعاقة نفسية والنابعة من فهم خاطئ لأبعاد الصدمة النفسية لدى الأطفال –نتائجها- وطرق العلاج الملائمة لشفائهم. هذا طب رجالي، لا يوجد لنا صلة به، نحن النساء.
فهمنا أن مصطلح أل"غير طبيعي" غير موجود بنا، إنما موجود في المجتمع المريض نفسياً الذي يعاني بنفسه من انفصام بالشخصية، من جهة يدعو لإحباط الوحش وفي الظلمات يعانقه ويرعاه، معجباً به.
تعلمنا أن الكنيست نفسها تعاني من خوف ورعب شديدين من احتواء هذه المصيبة، صعوبتنا تكمن في خوفها من مواجهة الوحش مستغل الأطفال جنسياً والقضاء عليه بسيفٍ مسلول، كي لا تخيف وتؤذي أطفال آخرين. لا تتفاجئي أيتها الطفلة، إذا جِراء هذا الوحش الصغار تعج في أروقة الكنيست، لولا ذلك فأي سيمنع الكنيست من حرق هذا الوحش للأبد؟
صعوباتنا كان من الممكن أن تُحَل وتخفا لو أن مسن القانون والقاضي كانا مهتمين بذلك حقاً. لكن الأمر لا يهمهم. كليهما القاضي ومسن القوانين، يضحون للملك الوحش كل أسبوع المزيد والمزيد من أطفال صغار لإرضاء رغباته التي لا تعرف الشبع. تعلمنا أن لا نتأمل من مسن القوانين أو القاضي، الشرطي أو الصحفي أن يتفهموا. عزيزتي، نحن وحدنا في المعركة. كلما تفهمي ذلك أسرع تنقذين نفسك أسرع، أنهضي ولوحي بقواك الشخصية السيف الثقيل للدفاع عن نفسك.
ليست الكنيست وحدها المتهمة، جميع المؤسسات الحكومية لم تكلف نفسها للبحث بعمق أكبر في أبعاد صدمة الاعتداء الجنسي في الطفولة، ماهيتها والطرق الملائمة لعلاجها، لأن الدولة لا تهتم بضحايا الاعتداء الجنسي أو بالنساء بشكل عام. الحكومات بُنِيَت من أجل الرجال وليس من أجل النساء. الحكومات "تفكر" بأنماط تفكير رجالية، مثلاً، يهمها تعيين لجان مختلفة بدون علاقة بين الواحدة والأخرى، لجنة للأطفال، لجنة للنساء، لجنة لشبيبة في خطر أو لمحاربة الزنى، أو لجنة للمشروبات كحولية، وسلطة للمخدرات.
بأسلوب التفكير الخاطئ هذا يحافظ النظام الحكومي على التفريق بين الاعتداء على طفلة وبين الطفلة التي تنتظر مقتولة داخل جسم امرأة. كما تفرق بينهن وبين طفلة محبوسة داخل جسم زانية تحجب الذاكرة بالمخدرات. إذا ما ربطت الأنظمة الحكومية بيننا وبين الطفلات اللواتي بداخلنا، فأبداً لن تفهمنا.
لكن يبدو أن الأنظمة الحكومية "العاجزة" اتجاهنا، في الواقع بنت برامج إصلاح ممتازة متطورة وحضارية لمصابين الذين يعانون من صدمة مثلنا- بشرط أن هذه الصدمة "المحترمة" حدثت بسبب حرب، معركة، حادث طرق أو بعملية انفجارية.
في هذه الحالة نظام الحكم وشركات التأمين يتفهمن جداً أن للمصاب "البطل" توجد قائمة مشتريات من الحوانيت بالإضافة لصعوبات في الأداء الوظيفي وهكذا ينضم نظام الحكم وبكل طيبة وكرم لتعويض المصاب بسبب العسر في أداءه الوظيفي، يساعده في تمويل جميع علاجاته، تعليمه، ويحصل على خدمات إصلاح شاملة، إصلاح مادي، عملي، نفسي، عائلي وزوجي.
أنهضي أيتها الطفلة وارفعي رأسك، فلا يوجد بك عيب ولست نجسة، تلك موجودة خارجك، ولهذا يمكن إصلاح وضعك، شفاءك وتنظيفك.
صحيح، ستحملي ذكريات الاعتداء مثلنا للأبد، وتتذكرين كل يومياً وللأبد وحتى آخر الأجيال، منظر الطفلة التي كنا في صغرنا، مرميةٌ على عتبة كنيست إسرائيل، وحتى آخر يوم في حياتك نستغرب سويةً لماذا زعمائنا ومسنون قوانيننا، شرطيونا وقضاتنا، يمرون كل يوم على جثة الطفلة المرمية تتدهور سوءاً، يتجنبونها، يجتازونها، يدوسون عليها، يلطخون أعضاء جسمها بأحذيتهم ولا ينظرون إليها. شفافيتها تصرخ وصوتها لا يسمع.
صعوباتك وصعوباتنا هي كندب حرب دامية، معركة غير عادلة، نحن أيضاً ضحايا صدمة حرب وليست أية حرب، إنما أقبح حرب، حرب أقوياء ضد ضعفاء، لكن الحرب التي سقطنا فيها مدنسات، لا أحد سيذكرنا في التاريخ ولن ندخل قاعة أبطال إسرائيل. لن تقف الأمة لحظة حداد لشرفنا. منذ الأيام الأولى وحتى آخر الأجيال نقبر أحياء خارج الجدار.
بالمثيل لضحايا صدمات حرب بقينا للأبد بحاجة لعلاج. وماذا في ذلك؟ العديد من الناس حصلوا على أعضاء اصطناعية، يتمشون حولنا وراضيين على ما هم فيه، والمجتمع يتقبلهم بعناق وتقدير، يسهل عليهم ويعاملهم بحسن ويساعدهم على التحسن. لا يحكمهم على إعاقتهم. نحن أيضاً نريد اعترافًا مُقَدِراً لصعوباتنا الوظيفية، بدون رحمة وبدون تحديق تجميلي بالحزن المكشوف من جروحنا.
نعم يا طفلتي، يوجد أسم للوحش المخيف. يدعون "مرضنا"، PTSD وبالعربية: اضطراب كرب ما بعد الصدمة. صدمة قوية كهذه يمكن أن تصيب أي إنسان، فهذا ليس مرض "نساء". فلماذا صعب كثير لنا، لماذا نتحمل كثيراً ؟ وهكذا، نبكي متألمات كأم ثكلا الحاملة ابنها الميت.
نحن أيضاً ثكلنا الطفلة التي كُنا. أيضاً نحن نمزق ملابسنا ونَعفُر أنفسنا بالتراب ونقوم بكل مراسيم الحداد. نعطي الكثير من الرموز للبيئة التي حولنا بأننا في حداد على مقتل طفلة. ومع ذالك لا أحد لا يحضر لعزائنا. لم يأتي أحد لعزائنا، كذلك الأمر للأربعين، ولا للذكرى السنوية. وليس لنا قبر لزيارته، نحن نقبر وما زلنا أحياء في مقبرة أخوات. نحن الثكلى الوحيدات اللواتي نحد وحدنا. عجب أننا لن نتعدى الصدمة؟
منا اللواتي أصبن في صغرهن والأخطر، أصبن داخل العائلة، يعانين من أسباب PTSD لكن بصورتها الأصعب والمركبة أكثر والتي يسمونها CPTSD وبالعربية: اضطراب كرب ما بعد الصدمة المركبة . طبعاً مركبة.
لاضطرابنا يوجد ظواهر التي تعود على نفسها عند جميعنا: حالات انفصال عن الجسم، تذكر دائم ومؤلم للحدث، مشاكل ذكريات وكوابيس في الليل، انعدام القدرة على النوم نوم هادئ- ننهض مرهقات حتى بعد 20 ساعة نوم وفقط نود العودة للنوم، نواجهه صعوبة في خلق علاقات اجتماعية سليمة، نميل لردة فعل متطرفة نحو محيطنا، إنسان محب في ثانية يمكن أن نحسبه لعدو، نحن حساسات جداً ولا نثق بالآخر بسهولة.
نحن نمشي بالحياة لكننا أموات من الداخل. أرواحنا مقتولة، والكثير منا ترى أن الموت هو الوسيلة الوحيدة لتخفيف الألم الدائم. قسم يلجأن للمخدرات وقسم أخر يقعن في حياة الزنى، قسم يجرحن أجسامهن تحت الملابس، الغريب لا يفهم ذلك. لن يفهم أن الألم البدني هو الذي يخفف ألم القلب.
نحن نُجَوِع الجسم الذي فشل في مهمته بحماية الروح، نفرط في إطعامه، نقسى عليه، أو نهمله ونصعب في فهم الجسم، ناهيك أن نحبه. السيطرة على الجسم نزعها منا من أذانا الذي فعل ما يحلو له ونحن نعيد السيطرة بجسمنا بأية وسيلة كانت. نحتل مكانه بقوة الذي أذانا ونأخذ السيطرة على الأمور- الآن أنا. أنا التي ستألم، أنا التي ستجرح، أنا التي ستكافئك أو تعاقبك. نفسي.
صدمة الإصابة داخل العائلة هي الأكثر قسوة، تخرجنا لخارج دائرة الحياة- أذا صمتنا ولن نتكلم هذا الشخص سوف يؤذي بنات وأولاد آخرين، ولا أحد سيفهم ما العيب فينا؟ لماذا هي دائماً مكتئبة؟
إذا تجرأنا وتكلمنا، العائلة ستنكرنا، سيقولون "كذابات" أو "مجنونات"، وسوف نحرم من ورثة المؤذي، من المشاركة في وأملاك العائلة أو من الاحتمال في الحصول على تعويض بسبب أعمال المُؤذي، تعويض الذي حتماً سيؤخذ من جيب أمنا، أخوتنا وعائلتنا- قضايا معقدة ومرهقة يجب أن نتعامل معها وحدنا. عادةً نفضل الهدوء والتنازل على النضال الضاج. والأفضل هدوء الموت. لا جدال على ذلك.
نتوق لحب صادق لكن لا نستطيع الاستمرار في علاقة زوجية وحياتنا الجنسية لا تطاق. نتوق للمس لكن نخشاه. من سيعيد لنا الثقة بالجسم العاري؟ من سيعلمنا التمتع ملذات الجنس عندما ما زلنا نعاني من ذكريات جهنمية لاستغلال واحتيال؟
عندما نكون أمهات، نمتلئ قلق على أولادنا، قلق أقوى من خوف أم عادي وهذا مفهوم بسبب تجربتنا بالحياة. نحن نعلم أن أمهات اللاتي كن ضحايا اعتداء جنسي في طفولتهن ينهرن فيما إذا اعتُديَ على أحد أبنائها ولم تنتبه لذلك. لا يوجد مصيبة أكبر من ضحية أقسمت بحياتها أن تحمي أبنها وفشلت بذلك. لهذا يوجد أمهات اللواتي يتجاهلن أن ابنهن أعتدي عليه، لأنهن لا يستطعن تحمل المصيبة. لا هذا لم يحدث. ستكبر وتنسى. ها أنا كبرت ونسيت. ميتة. حية. ميتة. وهكذا الكثير منا لا يجرأن على إنجاب أطفال.
تَمُر الأجيال، وسلسلة البنات مستمرة تولد- تؤذى- تنسى- تتذكر- وتموت مثل شريط مخدوش لا أحد يكلف نفسه بإيقافه.
نصعب أن نحافظ على مكان عمل واحد، نستعيد مواقف حساسة نكون فيها ضحية و مستغلات مرة أخرى. يدعون التصرف الدوري هذا: ثقة منحرفة في ألم معروف. ولا أحد يفهمنا ولا يصدقنا. أيضاً لا النساء. حتى نحن لا نفهم أنفسنا.
صعب علينا مع نساء. أصعب أكثر مع رجال. صعب جداً علينا مع رجال في العالم وأصعب أكثر عندما يكون الرجل مسئول عنا في العمل. كل احتكاك جسدي يهزنا ويقلقنا. نميل لتفسير خاطئ لعلاقات الاجتماعية ولنوايا الناس حولنا. متنبهات لأي ضربة قادمة.
ندور في العالم كفريسة مجروحة ورائحة دمها السائل تجذب سمكة القرش الشرسة. واحد تلو الآخر يغرز أسنانه بدون رحمة في لحمنا حتى يكتفون، يشبعون ويكملون مشوارهم حتى الفريسة التالية التي سيرونها. يموتونا للمرة الثانية، والثالثة. كم ممكن أن نموت في حياة واحدة؟
مثل أبتر الرِجْل يشعر لسنين طويلة بالعصب المكشوف برجله المقطوعة، هكذا نحن أيضاً نشعر بآلام سنين طويلة بعد الاعتداء أوجاع عميقة في البطن، في الظهر، وفي كل عضو له صلة بالاعتداء، نمرض كثيراً ونتغيب عن العمل بلا إرادة. ولا أحد يفهم.
ذكريات ألاعتداء وحشية ورهيبة حتى أننا لا نستطيع مقاومتها عندما تأتي فجأة كلما يحلو لها، وتشل قدرتنا على النشاط. أيام كاملة لا نستطيع الخروج من البيت. كل خروج مهدد وصعب ويكون خوف لاحتمال اعتداء آخر. كل خروج تطلب تجهيز نفسياً خاصاً.
الخروج من "المحيط الآمن" تجبرنا أن نتزود بطاقات كبيرة من قوة وتركيز ويقظة التي لا نملك الكثير منها. الخروج إلى "الخارج" تطلب تأهب استيعاب كبير ويقظة حيال الاعتداء القادم التي من المؤكد أنه ينتظر في الخارج وسيأتي. نعرف هذا من قبل. الشعور أنها قضية وقت حتى نصاب مرةً أخرى، لذلك من الأمن أن نبقى وحدنا في البيت. تحيرنا، هل نخرج؟ نبقى؟ حل الليل وبقينا في البيت. حسناً، سنحاول مرةً أخرى غداً.
لعلاج المشكلة، عقلنا خلق لنا وسيلة جيدة- نظام كبت الذي في بساطة يساعدنا أن ننسى الحدث. مثل بوابة حديد ضخمة نزلت وحجزت للأبد صور الفظيعة، الرائحة، اللمس الذكريات. لكن بناء سد عملاق وقوي كهذا يكلف ثمناً طائلاً.
كل إنسان في هذا العالم يولد مع بطارية تعطي طاقة للحياة تكفي لمائة سنة. نجبر على حرق طاقات هائلة بمحاولة أن نصفي ذكرياتنا، فبطارية حياتنا نفرغ بجيل صغير جداً. ليس فقط أن بطاريتنا نفرغ في جيل 20 إنما يوجد ثمن أخر لهذا النسيان المبارك- عندما تحجز بوابة الحديد ذكريات الصدمة، يُنزِل مع هذه الذكريات، ذكريات الطفولة السعيدة إلى هاوية النسيان ويبقينا بدون طفولة، ومع بقايا نظام ذكريات مشوش ومعَطَل، الذي يزرع خلل في كل شيء نريد القيام به، في التعليم، في العمل، في البيت، أمومة وفي الزوجية.
نحن بحاجة لهدوء تام، تجميد، دون أن شيء يتحرك حولنا، هدوء. هدوء. فقط هكذا نستطيع شحن بطارياتنا.
جميعنا نحمل هذا العبء الاعتداء الثقيل في الحاضر والمستقبل، هذا يضايقنا، في الأداء في العمل، بناء علاقة زوجية، بالأمومة، بالعلاقات الاجتماعية ويضايقنا أكثر في داخلنا، داخل روحنا المجروحة جروح مزمنة، لا نسامح بسهولة تلك البنت التي وثقت بالمعتدي وجعلته يفعل ذلك وسكتت، ولم تقل لأحد. بنت بلهاء. غبية صغيرة. تستحقين كل العقوبات لما فعلته لي. أنظري ماذا فعلتي لي؟ هكذا تتصرف بنت حسنة؟
نحن مصابات الاعتداء الجنسي والاعتداء الجنسي في العائلة، نتحمل عبء ثقيل لوحدنا في مشوار طويل، قررنا أن ننهض ونطالبكم أن ترونا، نحن لسنا شفافات، نستحق أن تساعدنا الدولة في بناء مستقبل أفضل وتمول لنا علاجاتنا.
نستحق أن لا يأخذوا منا ضرائب عندما نكافح ونعمل قليلاً رغم كل الصعوبات، ويقدموا لنا مساعدة مالية لأجار شقة عندما نحتاج ترك بيت المعتدي في جيل 18 حيث نجبر على البقاء فيه لأنه لا يوجد مكان آخر للجوء إليه، يساعدونا بإيجاد عمل آمن إذا لا نستطيع العمل في بيئة عمل رجالية، أن ينظروا لكل لحظة نعيشها- كمعجزة ويقدرونا على أنّا جرأنا على التمسك بالحياة ولم نستسلم.
نستحق أن لا يجبرونا أن نقرر: " أو أن تقدرين على الأداء أو لا" – ليفهموا أن هنا لا يوجد أسود وأبيض، وحتى لو نعمل ونحاول التظاهر أن "كل شيء عادي" الوضع في الداخل ليس عادي، ونحن بحاجة ماسة لتمويل علاجات نفسية طوال أزمات الحياة.
نحن نريد أن لا يتهمونا بالذي جرى ونستحق أن لا يكون تحديد زمني للقتل الذي أصابنا. القتل قتل ولا يمكن أن تحديده زمنياً. لن نوافق أن مستغلي الأطفال جنسياً يكونوا محررين ونحن مسجونات في سجن الذكريات، نعمل المستحيل لنعيش من يوم آخر وآخر بينما هم مستمرين بالاعتداء على طفل آخر وآخر.
يجب أن نزيل وصمة العار عن جبيننا- ونضعه وشماً على جبين المعتدين- ونكتب على قبرهم، من أجل أن يرى كل الأجيال حتى آخر الحياة نحن كمجتمع إنساني نكره من يؤذي الأطفال.
نحن نطالب بنشر أسماء كل أعضاء الكنيست الذين رفضوا دعم إلغاء التحديد الزمني في الاعتداء الجنسي على قاصرين- لكي يحاكموا في التاريخ متعاونين إبادة شعب- شعب البنات والبنين.
نحن أيضاً نريد مفتاحا لبوابة الحياة.
إذا أنت أيضاً تريدين صعود السلم، من الهاوية إلى الشفاء والهدوء، إن كنت تريدين الاشتراك في العمل للقضاء على وباء اغتصاب الأطفال، أنت مدعوة للإمساك في اليد الممدودة لك وهكذا تساعدي نفسك ونحن كمجموعة.
مقالة: روني ألوني سدوبنيك.
مشروع مجاع-لمس
www.alonilaw.org
ronione@netvision.net.il
النص مكتوب في صيغة المؤنث موجه أيضاً للمصابين ذكور.